2016-11-19

ما يعرف بالخبراء الاقتصاديين والماليين وعداله الطرح المفقوده

بسم الله الرحمن الرحيم
فى اطار الحديث عن معوقات الاستثمار ، مازال البعض ممن يسمون انفسهم بالخبراء يصر على اختيار الطريق السهل ومحاوله تحميل ارتفاع سعر الفائده عبء  معوقات الاستثمار ، بالرغم من اننا تحدثنا فى مشاركه سابقه على الفيسبوك ان معوقات الاستثمار لا تكمن فقط فى ارتفاع سعر الفائده ، وانما اهمها على الاطلاق هو البيئه السياسيه والانقسام المجتمعى الحاصل فى مصر والذى له تبعات خطيره اهمها ظهور الارهاب الذى وصل الى قلب المدن الهامه بعد ان كان على اطراف البلاد ، ورأس المال دائما جبان لا يعرف الا البيئه المستقره والفوانين الجاذبه للاستثمار ومعدلات النمو المستقره ، والسيوله النقديه، والايدى العامله، وقد ضربنا مثال باماره دبى وكيف انها وصلت الى المركز السادس عالميا فى اجتذاب الاستثمار الاجنبى بمقدار 30 مليار دولار عن طريق ما ذكرناه سابقا 
وببساطه اذا قمنا بمقارنه ماحدث لدبى من اسباب اجتذاب الاستثمار الاجنبى بما يحدث فى مصر ، فهل من مستثمر عاقل يستثمر فى بلد اصبحت سمعتها الدوليه فى اسوء حال سواء سياسيا او اقتصاديا ؟! ، هل من المعقول ان يأتى مستثمر فى بلد بيئتها الاستثماريه لا تشجع على  الاستثمار ؟! او تقوم بما يجب عليها من محاربه الفساد والروتين المستشرى فيها ، هل من المعقول ان يأتى استثمار اجنبى فى ظل بلد يقوم فيها جيشها بمنافسه القطاع الخاص منافسه غير شريفه للاستحواذ  على اكبر قدر من مدخلات الاقتصاد
لقد ابتلى الله مصر فى نخبتها السياسه والاقتصاديه فهؤلاء  الذين يدعون بالخبراء ويطلون علينا فى كل وسائل الاعلام لا يستطيعون قول الحقيقه المجرده فاسهل شىء عندهم قول نصف الحقيقه وحسب توجيهم ، فلن يستطيع احد منهم  على سبيل المثال ذكر منافسه الجيش للقطاع الخاص او البيئه السياسيه المحتقنه والانقسام المجتمعى الحاصل كأبرز معوقات الاستثمار التى تواجه مصر ولكن ستجدهم يذكرون ان سعر الفائده فقط هو المعوق للاستثمار ، فسعر الفائده لا اب له ولن يجد من يدافع عنه وبالتالى نستيطع ببساطه ان نلبس على الناس ومن ناحيه اخرى المحافظه على السبوبه
لقد تحدثنا سابقا وذكرنا ان اى متغير اقتصادى لا يعمل فى الفراغ فهو يؤثر فى بعض المتغيرات الاخرى وفى نفس الوقت يتأثر بها ، فارتفاع اسعار الفائده بالرغم من اثاره السلبيه على الاستثمار الى ان له اثار ايجابيه ايضا تتلخص فى التحوط من اثار التضخم خصوصا وان قرار التعويم لابد ان يستتبعه موجه تضخميه ، كما انه يزيد من معدلات الادخار الضعيفه واخيرا يساعد فى الحد من عمليات الدولره وارجو وضع مائه خط تحت هذه الجمله لان استعراض الفتره من 1991-2003 ستوضح اهميه هذه الخطوه فى بناء احتياطى معقول لمصر فى ذلك الوقت ، ايضا لا يمكن فصل ارتفاع اسعار الفائده عن السلوك الاجتماعى للشعوب نفسها ومنها زياده الاستهلاك للطبقات المتوسطه من الشعب المصرى عند ارتفاع سعر الفائده وهو ما يساهم بايجابيه شديده فى معدلات الناتج المحلى ، ولا يمكن فصل اسعار الفائده عن سياق الخطه الانكماشيه التى تتبعها مصر فى معالجه عجز الموازنه ، فعجز الموازنه له طريقان فى المعالجه ، اما زياده الايرادات او خفض الانفاق وبما ان الدوله لا تستطيع تحقيق زياده ايرادتها فتلجأ الى الطريق الثانى وهو خفض الاتفاق سواء كان انفاق عام او استثمارى وارجو الانتباه هنا الى ان الانفاق الاستثمارى الحكومى هو الابرز حتى الان فى المساهمه الفعاله فى الناتج القومى المحلى وبالتالى فان ارتفاع اسعار الفائده يبدو متماهيا مع ما تنتهجه الدوله من سياسه نقديه تشدديه
الفتره ما بين عامى 1991-2003 كانت فتره مهمه لمصر فقد قامت مصر باصلاح اقتصادى منذ عام 1991 لبرنامج اصلاحى مدته 3 اعوام ، وقامت بتثبيت اسعار الصرف عند 330 قرش وقد قام البنك المركزى منذ 1991-1997 برفع اسعار الفائده على المدخرات بالجنيه المصرى الى 17% وكان وقتها سعر الفائده على الدولار 3.5% ، ادت هذه الخطوه لقيام المصريين بتحويل مدخراتهم من الدولار الى مدخرات بالجنيه المصرى ساعد ذلك فى بناء احتياطى وصل الى اكثر من 20 مليار دولار ، اى ان مصر ضربت عصفورين بحجر واحد وقتها وهو ارتفاع  فى معدلات الادخار الضعيفه وثانيا منع الدولره وبناء احتياطى معقول ، ثم حدث الارهاب فى واقعه الاقصر وبدء الاستثمار الاجنبى  المباشر ينسحب وتبعه الاستثمار غير المباشر من البورصه ، وتراجعت المصادر الدولاريه ، ومع الضغط على الجنيه المصرى اضطر البنك المركزى الى استخدام جزء من االاحتياطى للدفاع عن العمله حتى تكبد حوالى 7 مليار دولار ثم عاد الاحتياطى الى 15 مليار دولار ثم اخيرا فى 29/1/2003 قامت الدوله بتعويم الجنيه 
اعتقد ان هذه الفتره تشبه الى حد كبير الفتره الحاليه التى نعيشها ، ولنا ان ندرك انه اذا احسنا الظن فى القائمين على اداره السياسه النقديه فى مصر انهم يريدون تكرار نفس المحاوله من رفع اسعار الفائده لاجتذاب السيوله الدولاريه لدى الناس وفى ظل معدلات تضخحم مرتفعه اعتقد بهذه الفرضيه يكون قرار رفع سعر الفائده فى سياقه الطبيعى ، برغم اضراره السلببيه على الاستثمار بشكل عام ، وهنا يبرز دور المسؤل عن السياسه النقديه والاقتصاديه فى تقدير الاولويات الاقتصاديه وتأثيرها على الحاله الاجتماعيه والاختيار فيما بينها
الخلاصه من هذه المشاركه ..... ان يعلم هؤلاء الذين يدعون انفسهم بالخبراء ان عداله الطرح تقتضى ان  تتحدث عن معوقات الاستثمار الحقيقيه واهمها البيئه السياسيه ، لا ان تبتعد عن الاصل وتتحدث فى الفروع  ، فمن يعمل ذلك اما انه  يفتقد لامانه الطرح او انه انسان ثقافته تقف عند ما سمعه عن ان ارتفاع سعر الفائده يؤثر على الاستثمار فقط
ما زلنا نكرر ان مشكله مصر هى الانتاج ومن رأيى ان اعاده افتتاح المصانع المغلقه افضل من افتتاح مصانع جديده وازاله معوقات الاستثمار وتهئيه البيئه الاستثماريه ومحاربه الفساد اهم من الحديث عن الاستثمار الاجنبى وليس من العيب الاخذ ببعض تجارب الدول الاخرى التى سبقتنا فى هذا المجال اذا اردنا فعلا صالح هذه البلد ،اما الادعاء اننا نقوم بحل المشكله عن طريق معالجه الفرعيات والابتعاد عن اصل المشكله وهو الانتاج  فكأننا نحرث فى البحر
ولن يأتى الانتاج الا باصلاح البيئه السياسيه اولا ثم وضع رؤيه اقتصاديه كتخطيط استراتيجى يتحدد من خلالها عقيده البلد السياسيه فلا توجد عقيده اقتصاديه الا ومبنيه على عقيده سياسيه نعرف من خلاها دور الدوله الحقيقى وعلاقتها بالافراد ، حتى يتسنى لنا بناء عقيده اقتصاديه نعرف منها هل الدوله تتبع النموذج الاشتراكى فتبقى هذه الدوله مسؤله عن الفرد من المهد الى اللحد او تتبع النموذج الرأسمالى الذى تعرف فيه الدوله بانها الدوله الراعيه او الحارثه تهتم بشؤن الدفاع فقط دون التدخل فى الجانب الاقتصادى  ، او انها تتبع النموذج الرأسمالى الاجتماعى الذى يعطى دورا اكبر للدوله فى  التدخل اقتصاديا بما يعود بالنفع على المجتمع