2016-10-19

السوق ونظره المتداولين 2

بسم الله الرحمن الرحيم
فى اطار التواصل والحديث عن الجانب السيكلوجى للمتداولين فى الاسواق الماليه  والذى تحدثنا عن جانب منه فى مشاركه "السوق ونظره المتداولين" نستكمل باقى الحديث عن ما يعرف بعلم الماليه السلوكيه  BEHAVIOR FINANCE  والذى يختص بدراسه الجانب السلوكى فى اتخاذ القرارت الماليه ومنها تصرفات المتداولين فى الاسواق الماليه
وفى اطار بعض الدعائم التى يقوم عليها علم الماليه السلوكيه نستعرض بعضا منها مدعومه باحصائيات تفيدنا بشكل ما للتعرف على بعض من سلوك الافراد وتفضيلاتهم تجاه بعض الظواهر الماليه
  اولا :  الثقه الزائده
 فالثقه الزائده لدى المستثمرين في صحة قراراتهم الاستثماريه تدفعهم لاتخاذ قرارات غير مبنيه مع اسس منطقيه وغالبا ما يفاجؤون بالنتائج وهى بطبيعه الحال عكس الثقه فى النفس التى تدفع الفرد فى التفكير الايجابى فى قدرته على اتخاذ قرار صحيح دون مبالغه فى قدراته
فغالبيه الافراد تتجه  للمبالغه في تقييم قدراتهم ومهاراتهم الشخصيه ما يخلق لديهم ثقه كبيره بصحه قراراتهم الاستثماريه، ما يدفعهم لاتخاذ قرارات ذات مخاطر اكبر مقللين من احتمالات الخسائر التي قد تنجم عن هذه القرارات، ينعكس ذلك  فى زياده حجم التداول لدى الأفراد وخلق فقاعات ماليه في الاسواق قد تتضخم إلى حد الانفجار، وللاسف عند حدوث عكس توقعاتهم يرفض هؤلاء الاشخاص اعترافهم بخطئهم ويتمسكون بصحه توقعاتهم على امل ان السوق سوف يتبع توقعاتهم لاحقا مما يزيد من حجم خسائرهم
ثانيا : اعتماد التكرارات السابقه
حاولت بعض الدراسات تفسير ماهيه توقعات المستثمرين والمحللين لنتائج الشركات الماليه في المستقبل وتحركات أسعار أسهمها. إحدى هذه الدراسات طرحت السؤال التالي على عينة كبيره من الافراد 
إذا كانت نتيجه خمس محاولات رمي قطعة نقود طبيعي ظهور جانب «النقش» في كل محاوله، فما هو احتمال الرميه السادسه؟ 

 أغلبيه الإجابات جاءت ترجح ظهور النقش للمره السادسه بسبب التكرارات العديده لظهور النتيجه نفسها في الرميات السابقه، إلا ان الإجابه الصحيحه يجب أن تعكس احتمال 50% لظهور النقش بغض النظر عن مدى النتائج السابق وانطلاقا من هذا المفهوم يشعر أغلب المحللين الماليين بالتفاؤل الزائد تجاه نتائج الشركات التي حققت نسب نمو عاليه في الارباح بشكل متكرر خلال الاعوام السابقه وبعكس ذلك للشركات التي حققت خسائر متتاليه... على حين تثبت التجربه في العديد من الدول أن نسب نمو الارباح في السنه التي تلي ثلاث سنوات من الخسائر المتتاليه عاده ما تكون أكبر من نسب نمو السنه التاليه لثلاث سنوات من الربح المتواصل، هذا العامل النفسي غالبا ما يدفع المستثمرين لشراء الاسهم ذات الربحيه المتكرره والتخلص من الاسهم ذات الخسائر المتكرره دون النظر إلى احتمالات النمو المستقبليه، اي إن الأفراد غالبا ما يكونون بطيئين بتغيير رأيهم تجاه سهم معين حيث يتخذون قراراتهم بناء على سلسله الاخبار السابقه والاعتماد بنسبه اقل على الاخبار الحديثه
ثالثا: تجنب الافراد الغموض ويكرهون الخساره
كما في جميع الخيارات الاستثماريه، ترتفع نسبه المخاطره بارتفاع درجه غموض النتائج، قام بعض المحللين بسؤال عينه عشوائيه من المستثمرين عن الخيارات التاليه: 

أ‌- القبول بربح 1500 دولار مؤكد. 

ب‌- المغامره بدخول سحب يكون فيه احتمال ربح 2000 دولار هو 50% واحتمال ربح 1000 هو 50%. 

أكثر من 70% من الإجابات اختارت الخيار الاول مع ان نتائج الاحتمالات الرياضيه متساويه بين الخيارين، وفي حال تم سؤال الخيار الثاني دون تحديد نسب الاحتمال السابقه ارتفعت نسبه اختيار الخيار الأول إلى اكثر من 90% من الإجابات وتنعكس الحاله السابقه بشكل واضح على قرارات الافراد الاستثماريه، حيث يدفع المستثمرون اكثر للحصول على اسهم شركات ذات ربحيه مستقره ويمكن التنبؤ بها بسهوله ما يخفض من عوائدهم الاستثماريه بالمقارنه مع العوائد الممكن تحقيقها في حال نجحت اسهم الشركات بتحقيق نسب نمو عاليه في الإيرادات

من جهه اخرى حاولت دراسات إحصائيه فهم سلوك المستثمرين تجاه مفهوم «الخساره» فتم سؤال عينه من الافراد لاختيار أحد الخيارين التاليين: 

أ‌- تحقيق خساره مؤكده مقدارها 750 دولارا. 

ب‌- المغامره بدخول سحب تكون فيه احتمال خساره 1000 دولار هو 75% واحتمال خساره لا شيء هو 25%. 

أكثر من 75% من الإجابات تتجه نحو الخيار الثاني، مع ان نتائج الاحتمالات الرياضيه للخيارين متساويه، حيث استنتجت بعض الدراسات أن الأثر النفسي السيئ على الفرد لخسارة مبلغ معين يفوق الأثر الإيجابي لربح نفس المبلغ بمرتين ونصف المره. 

بمقارنه نتائج الدراستين السابقتين نستنتج ان اغلب الافراد لا يغامرون بخساره ربح مؤكد، لكن يتجهون إلى المغامره من أجل تفادي خساره معينه ولو كانت احتمالات خساره مبلغ آخر كبيره نسبيا. 

هذا ما يفسر بشكل واضح عدم رغبه المستثمرين ببيع الاسهم الخاسره عند انخفاض اسعارها ولو كانت احتمالات استمرار الانخفاض اكثر من احتمالات الارتفاع، كما انه من الصعب على المستثمر اتخاذ قرار بيع الاسهم الخاسره وتحويل الخساره الدفتريه إلى خساره حقيقيه ولو توفرت هناك فرص أخرى للاستثمار ذات احتمالات ربحية عاليه


رابعا : غلبه التفكير العاطفي على التفكير المنطقي 
يعبر التفكير المنطقي عن الطريقه التي يقوم بها الافراد بترتيب المعلومات التي يحصلون عليها، على حين يعبر التفكير العاطفي عن طبيعه شعور الافراد اتجاه هذه المعلومات... كما راينا في المثال السابق... ان شعور من لديهم 1500 دولار ربح محقق مسبقا يدفعهم إلى اتخاذ قرارات ذات مخاطره اعلى 

ضمن هذا الإطار يمكن تفسير تفضيل الافراد للاسهم التي تقوم بتوزيعات نقديه سنويه عن تلك التي تحقق حجم الارباح نفسه لكن لا تقوم بتوزيعها على المساهمين
خامسا: يتأثر الأفراد بسلوك القطيع يستنتج علم الاجتماع ان فراد المجتمع الواحد ممن يتواصلون مع بعضهم البعض بشكل متواصل، يتجهون للتفكير بشكل مماثل. احد الاسباب لهذه الظاهره هو ان مجموعه الافراد تتصرف غالبا بشكل مماثل تجاه المعلومات التي يحصل عليها الجميع في الوقت نفسه 

كما ن الافراد يتأثرون بالبيئه الاجتماعيه المحيطه ويشعرون بالضغط الشديد للتقليد (كمفهوم الموضة مثلا)، كما ان الكثيرين يتجهون لتغيير آرائهم باتجاه التوجه الاجتماعي العام لاعتقادهم ان عددا كبيرا من الناس لا يمكن ان يكونوا مخطئين بالمجمل

ينعكس هذا السلوك الاجتماعي بشكل واضح جدا في الاسواق الماليه بما يعرف «بسلوك القطيع» وهو من اهم الظواهر في علم السلوك المالي، حيث لو ان احد المستثمرين استنتج ان سعر احدى الاوراق الماليه مبالغ فيه، لكنه لا يجرؤ على معاكسه السلوك العام عندما يرى ان الاتجاه لدى اغلب المستثمرين الاخرين هو الشراء فقد يتغير رأيه ويتبع السلوك العام من منطلق انه لا يمكن للجميع ان يكونوا على خطأ
واخيرا لابد من الاشاره الى بعض اراء استاذه الطب النفسى المصريين الذين اجمعوا على ان تصرفات الافراد فى الاسواق الماليه لا تخضع دائما للموضوعيه التحليليه وانما يتدخل فيها الجانب النفسى  وهو ما يقودنا ربما الى اشكاليه " عقلانيه السوق"  ، كما ان توالى الخسائر وتقارب مدتها الزمنيه يصيب الافراد بالاكتئاب مما يؤثر فى صحه قرارات البيع والشراء نظرا لضعف الثبات الانفعالى عندهم التى تعبر عن القدره على التريث فى قرارات الازمه واتخاذها وفقا لاسس منطقيه